فصل: قال ابن قتيبة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وإن ابن ليلى فاه لي بمقالة ** ولو سرت فيها كنت ممن ينيلها

فإن المعنى: ولو سرت في طلبها كنت ممن ينيله إياها، وإنما يطلب ما يعد به الملوك من جوائزها، لا ما تلفظ به.
{ذلك لتؤمنوا بالله} [4] تطيعوه، ولا تذهبوا إلى طلاق الجاهلية. وقيل: تقديره: ذلك لإيمانكم بالله، فيقتضي أن لا يصح ظهار الذمي.
{كبتوا} [5] أي: في يوم الأحزاب.
{كما كبت الذين من قبلهم} في يوم بدر.
{نهوا عن النجوى} [8] أي: السرار. وقيل: إن النجوى أخص من السرار، فإن الإنسان يسر في نفسه ولا يناجي نفسه، وإنما النجوى: إجالة الرأي: مع القلب المحتار، كما قال نصيب:
من النفر البيض الذين إذا انتجوا ** أقرت لنجواهم لؤي بن غالب

يحيون بسامين طورًا وتارةً ** يحيون عباسين شوس الحواجب

تمت سورة المجادلة. اهـ.

.قال الأخفش:

سورة المجادلة:
{الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مِّن نِّسَائِهِمْ مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقولونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقول وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ}
قال: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ} خفيفة وثقيلة. ومن ثقل جعلها من (تَظَهَّرْت) ثم ادغم التاء في الظاء.
{وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قالواْ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}
وقوله: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قالواْ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} المعنى: فتحريرُ رَقَبَةٍ من قَبْلِ أَنْ يَتَماسّاَ فمن لم يَجِدْ فإِطْعَامُ سِتِينَ مِسكينًا ثُمَّ يَعُودونَ لِمَا قالوا: أنْ لا نَفْعَلَه فَيفْعَلُونَهُ. هذا الظهار، يقول: هِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمّي. وما أشبه هذا من الكلام، فإذا اعتق رقبة أو أطعم ستين مسكينا عاد لهذا الذي قد قال: إِنَّهُ عَلَيَّ حَرامٌ. ففعله. اهـ.

.قال ابن قتيبة:

سورة المجادلة:
مدنية كلها.
1- {وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} أي تشكو، يقال: اشتكيت ما بي وشكوته.
3- {وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ} أي: يحرّمونهم تحريم ظهور الأمهات.
ويروي: إن هذا نزل في رجل ظاهر، فذكر اللّه قصته.
ثم تبع هذا كلّ ما كان من الأم محرما على الابن أن يطأه: كالبطن والفخذ، وأشباه ذلك.
وقوله: {ثُمَّ يَعُودُونَ} لِما قالوا، يتوهم قوم: أن الظاهر لا يحسب ولا يقع حتى يتكرر اللفظ به، لقول اللّه تعالى: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالوا}.
وقد أجمع الناس على أن الظّهار يقع بلفظ واحد.
فأمّا تأويل قوله: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالوا}، فإن أهل الجاهلية كانوا يطلّقون بالظّهار، فجعل اللّه حكم الظّهار في الإسلام خلاف حكمه عندهم في الجاهلية، وأنزل: {وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ في الجاهلية ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالوا}: لما كانوا يقولونه من هذا الكلام {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} أي عتقها {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}.
5- {كُبِتُوا} قال أبو عبيدة: أهلكوا.
وقال غيره: غيظوا وأخزوا.
وقد تقدم ذكر هذا في سورة آل عمران.
8- و10- {النَّجْوى}: السّرار.
11- {تَفَسَّحُوا} أي توسّعوا.
{انْشُزُوا}: قوموا. و(الناشز) منه.
ومنه قيل: نشزت المرأة على زوجها.
18- {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ} أي يحلف المنافقون للّه يوم القيامة، كما حلفوا لأوليائه في الدنيا. هذا قول قتادة.
19- {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ} أي غلب عليهم واستولي.
21- {كَتَبَ اللَّهُ} أي قضي اللّه: {لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي}.
22- {حَادَّ اللَّهَ} و(شاقّة) واحد. اهـ.

.قال الغزنوي:

سورة المجادلة:
1 {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ} في خولة بنت ثعلبة بن خويلد. قال لها زوجها أوس بن الصّامت: أنت عليّ كظهر أمي.
3 {لِما قالوا}: لنقض ما قالوا، أو هو العود بالعزم على الوطء.
قال عبد اللّه بن الحسين أي: يعودون إلى المقول فيهن، أي: إلى نسائهم، كأنّ التقدير: والذين يظاهرون من نسائهم فتحرير رقبة لما قالوا، ثم يعودون إلى نسائهم فيكون (ما قالوا) بمعنى المصدر، والمصدر، بمعنى المفعول، كقولهم: ضرب الأمير ونسج بغداد..
4 {ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ}: تطيعوه ولا تطلّقوا طلاق الجاهلية بالظّهار. أو ذلك لإيمانكم باللّه، فيقتضي أن لا يصح ظهار الذميّ.
5 {كُبِتُوا في يوم الأحزاب}. {كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} يوم بدر.
8 {نُهُوا عَنِ النَّجْوى}: السّرار.
{حَيَّوْكَ} كانوا يقولون: السّام عليك.
10 {إِنَّمَا النَّجْوى} أي: النّجوى بالإثم.
11 {تَفَسَّحُوا}: توسّعوا.
{انْشُزُوا}: ارتفعوا.
19 {اسْتَحْوَذَ}: استولى، جاء على الأصل لأنه لم يبن على (حاذ)، كما يقال: افتقر من غير أن قيل: فقر. اهـ.

.قال ملا حويش:

تفسير سورة المجادلة:
عدد 19 و105- 58.
نزلت بالمدينة بعد سورة المنافقين وهي اثنتان وعشرون آية وأربعمائة وثلاث وسبعون كلمة وألف وسبعمائة واثنان وتسعون حرفا.
ولا يوجد سورة مبدوءة بما بدئت غير سورة الجن كما لا يوجد سورة مختومة بما ختمت غير آل عمران ومثلها في عدد الآي سورة البروج.
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}
قال تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قول الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما} مبادلتكما الكلام ومراجعتكما فيه يا سيد الرّسل أنت والمرأة {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ} لمن يناجيه {بَصِيرٌ} (1) بأمر من يشتكي إليه يجيب دعاء المضطر من عباده، وسبب نزول أوائل هذه السّورة هو أن خولة بنت ثعلبة قالت يا رسول اللّه إن زوجي أديس بن الصّامت تزوجني وأنا شابة غنية ذات أهل ومال، حتى إذا أكل مالي وأفنى شبابي وتفرق أهلي وكبر سني ظاهرني وقد ندم، فهل من شيء يجمعني وإياه فتنعشني به؟ وذلك أن الظّهار الآتي بيانه كان زمن الجاهلية مما تحرم به المرأة على البتات، ولذلك لم يفتها حضرة الرّسول لأنه لم يتلق من ربه ما يبطله وقال لها صلى الله عليه وسلم: «حرمت عليه» فقالت والذي بعثك بالحق وأنزل عليك الكتاب ما ذكر الطّلاق وأنه أبو ولدي وأحب النّاس إليّ، فقال حرمت عليه، فقالت أشكو إلى اللّه فاقني ووحدتي، ثم قالت يا رسول اللّه قد طالت له صحبتي ونثرت له بطني، فقال: «ما أراك إلّا حرمت عليه ولم أومر بشأنك بشيء»، فجعلت تراجع الرسول، وكلما قال لها: «حرمت» قالت أشكو إلى اللّه فاقتي ووحدتي وشدّة حالي ثم قالت يا رسول اللّه إن لي منه صبية صغارا إن ضممتهم إليّ جاعوا، وإن ضممتهم إليه ضاعوا، وجعلت ترفع رأسها إلى السّماء وتقول اللّهم إليك أشكو فأنزل اللّه أوائل هذه السّورة.
روى البخاري ومسلم عن عائشة قالت الحمد للّه الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادلة خولة إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وكلمته في جانب البيت وما أسمع ما تقول، فأنزل اللّه {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ} وذم الظّهار بقوله عزّ قوله: {الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ} حتى يجعلوهن مثلهن {إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ} لا زوجاتهم {وَإِنَّهُمْ} المظاهرون الّذين يجعلون زوجاتهم كأمهاتهم {لَيَقولونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقول وَزُورًا} كذبا باطلا لأن الأمهات محرمات على التأبيد بتحريم اللّه تعالى، والزوجات لا يحرمن بمجرد تشبيههن بالأمهات {وَإِنَّ اللَّهَ} المنفرد بأمر عباده كثير الصّفح والسّماح والمنّ والعفو عنهم وعما سلف مما وقع من المظاهرين {لَعَفُوٌّ غَفُورٌ}.

.مطلب في الظّهار وحكمه والمخلص منه وكيفيته والمشاورة والنّجوى والتكلم بغير لغة القوم:

الحكم الشّرعي هو أن الظّهار من طلاق الجاهلية كالإيلاء راجع الآية 227 من البقرة تجد بحثه وهو أن يقول الرّجل لزوجته أنت علي كظهر أمي، ومعناه علوّي عليك حرام كعلوي على أمي، وعلوه على أمه حرام لأنهم يريدون بهذا العلو الجماع، لأن الرّجل يعلو المرأة فيه، وكذلك لو قال كبطن أمي أو شبه عضوا منها بعضو أمه، وكذلك إذا شبهها بإحدى محرماته بلفظ من هذه الألفاظ فيكون مظاهرا من زوجته، ثم بين اللّه تعالى المخرج من مأزق هذا اليمين مما يجعله حلّا منه ويسترد به زوجته لعصمته فقال: {وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالوا} أي يرجعون عن أقوالهم لنسائهم من الألفاظ التشبيهية لهن بأمهاتهم أو غيرهن من محارمهم ليحلوا ما حرموا على أنفسهم منهن، وكيفية العود أن يبقيها عنده ولا يخرجها من بيته، ولكن لا يعاملها معاملة الأزواج حتى يكفر عن يمينه بما ذكره اللّه، فيعد هذا رجوعا وندما على ما وقع منه.
ثم ذكر الله تعالى الكفارة التي يتحلى بها يمينه بقوله أولا {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} عتق عبد من عبيده إذا كان له عبيد، وإلّا فيشتري عبدا ويعتقه {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} إذ يجب عليه العتق أولا ثم يعامل زوجته معاملة الأزواج إذ لا يجوز له قربانها قبل التكفير {ذلِكُمْ} الحكم الشّرعي شرعه اللّه لكم في تحليل المظاهرات {تُوعَظُونَ بِهِ} أيها المؤمنون وتتأدبون من أن تعودوا لمثله {وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (3) لا يحتاج إلى إخبار لأن أعمالكم كلها من جملة معلوماته الأزلية وإنها معروفة عنده {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ} رقبة يعتقها ولم يقدر على شرائها لضيق ذات يده فصيام شهرين متتابعين تكون كفارته تخفيفا عليه وتيسيرا من ربه، وهذا الصّيام أيضا يجب أن يتمه {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} مثل كفارة العتق {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ} أن يصوم لكبره أو مرضه المزمن {فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} كفارته تسهيلا عليه من لطف اللّه تعالى والإطعام يكون لكل مسكين نصف صاع من البر أو صاع من غيره وهو ما يغذي الرّجل يوما واحدا من أوسط الطّعام كما سيأتي بيانه مفصلا في الآية 92 من سورة المائدة، وكذلك يجب أن يتصدق بهذا الإطعام قبل المجامعة {ذلِكَ} البيان الشّافي والتخفيف الكافي {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} وتزدادوا إيمانا وشكرا وحمدا إذ لم يجعل عليكم حرجا فيما شرعه لكم إكراما لرسولكم كما هو مدون في أزله وتعملوا بما أمرتم به عن اعتقاد ويقين وصدق وحزم وتتركوا ما كان عليه أسلافكم من أمور الجاهلية التي قلدتموهم بها.
واعلم أن هذه لا تعد ناسخة لما كان في الجاهلية، لأن الظّهار لم يقرر في الإسلام كشرع ولم يعمل به كمأمور به، وإنما كان عادة مستقة من عوائد الجاهلية، والنّسخ لا يدخل إلا على ما كان مشروعا كما أشرنا إليه في الآيتين 17 و150 من سورة البقرة، وما كان عليه عمل الجاهلية لا يسمى شرعا لأنهم لم يأخذوها من شرع قديم أو يكتسبوها من تعاليم الأنبياء، إذ لا شرع ولا كتاب لهم بل من عوائد آبائهم، لأن نبيهم إسماعيل عليه السلام اندرست شريعته ولم يترك لهم كتابا يرجعون إليه، ولهذا لم يفت به حضرة الرّسول، لأنه حكم من الأحكام ولم ننزل عليه فيه شيء، وهو لا ينطق عن هوى.